Skip to main content
الخميس, 21 تشرين ثاني 2024

الفائز في فرنسا وما يتغيّر في سوريا والمنطقة الأحد 23 نيسان 2017عدد المشاهدات 2921

إعلان

لم تكن التكهنات بنتائج الانتخابات الفرنسية يوماً، بهذا الغموض الذي يحيق بها حتى اللحظة الأخيرة. فالاستطلاعات المتلاحقة، تصنّف مرشح "إلى الأمام" إيمانويل ماكرون في المركز الأول، بفارق نقطة واحدة عن مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، وبفارق حوالي 3 نقاط عن مرشح حزب اليمين والوسط فرنسوا فيّون، وعن مرشح "فرنسا غير الخاضعة" جان لوك ميلانشون.

لكن هذه النتائج لا تأخذ في الحسبان هامش الخطأ الطبيعي، وهو بمعدل 3 نقاط، ما يضع المرشحين الأربعة على نفس الاحتمال من الفوز في الدورة الأولى. وهو أمر تتعرض له لأول مرة وسائل الإعلام الفرنسية التي تعرض نتائج الانتخابات قبل إقفال صناديق الاقتراع. لقد كانت تعتمد سابقاً على عمل حوالي 200 مكتب يرافق العملية الانتخابية، فإذا بها تسخّر اليوم حوالي 500 مكتباً أملاً منها بكشف النتائج بعد وقت قليل من إقفال الصناديق.

هذه العملية الانتخابية التي تجري لاختيار رئيس في قصر الأليزيه، لا تقتصر على عدد الأصوات التي يحظى بها هذا المرشح أو ذاك. بل أن الأصوات تعبّر عن قوى سياسية ومصالح وعن دور قوى نافذة وأجهزة ووسائل إعلامية وغيرها تملك قدرات التلاعب بالخيارات والتأثير وصناعة الرأي العام في صناديق الاقتراع.

فالانتخابات الرئاسية الحالية هي في عمقها وهياكلها، أكثر وضوحاً من سابقاتها بأنها ليست فرنسية – فرنسية؛ فالقوى الأوروبية تتدخل فيها بأشكال شتى، عبر قوى وأحزاب سياسية فرنسية أو عبر تشابك المصالح المباشرة.

فتجمع أرباب العمل ممثلاً برئيسه بيار غاتاز، وهيئات المحاماة التي تشكل جماعة ضغط في الاتحاد الأوروبي لمصلحة الشركات الكبرى، تتبنى إيمانويل ماكرون.

وفي هذا السياق تتخلى حكومة الحزب الاشتراكي ورئيس الجمهورية، عن مرشحها الرسمي بانوا هامون وتنحاز إلى ماكرون بتنسيق مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي وزعيمة ألمانيا أنجيلا ميركيل وخط باراك أوباما الدولي.

في المقابل يمثّل فرنسوا فيّون حزب اليمين والوسط الذي تخلّى عنه قسم التحق بماكرون. لكن فيّون يعتمد في المقام الأول على أعيان الأرياف وبعض الصناعات الثقيلة التقليدية، وهو في هذا الأمر يمثّل فئات ترتبط مصالحها بسياسة الاتحاد الأوروبي في حرية السوق وتشابك التجارة وحرية التسريح من العمل وخفض النفقات الحكومية في الخدمات الاجتماعية. لكنه يمثلها أيضاً في خشية عدم الاستقرار الأمني وخشية الحروب التي لا تزال حيّة في ذاكرة الأرياف على وجه الخصوص.

تنافسه على هذه القاعدة العريضة مارين لوبان، ولا سيما الجماعات الكاثوليكية المتعصبة التي تميل إلى لوبان في الثقافة الفرنسية "الصافية"، كما تميل إلى فيّون فيما يسميه الحرية (أي حرية التسريح من العمل) وفي دعواته إلى فرض النظام والأمن بكفوف بيضاء. وهي تحتل موقعاً هاماً في حزب فيّون بحوالي عشرة آلاف عضو وعدد من أعضاء البرلمان ورؤساء المحافظات.

بموازاة ذلك يتنافس جان لوك ميلانشون مع فيّون وماكرون ولوبان، على استقلال فرنسا عن الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي في مقاربة مختلفة لبناء أوروبا مع دول العالم. لكنه يتنافس مع لوبان على استقطاب الفئات العمالية التي تميل إلى انتخابها بنسبة 44%.

وفي ديناميته الانتخابية نجح ميلانشون باستقطاب 7% من هذه الفئات خسرت منها لوبان 4%. فإذا تمكن ميلانشون من استكمال هذه الدينامية في استقطاب القشة التي تقصم ظهر البعير حتى يوم الانتخاب، قد يحقق المفاجأة التي يتوخاها مؤيدوه في الدورة الأولى. ولهذا تلقى الدعم المعنوي من بودوموس الاسبانية وتيارات عديدة من المثقفين على رأسهم نعوم شومسكي.

فوز لوبان من شأنه تشجيع صعود اليمين المتطرف في أوروبا وأبعد من ذلك وصولاً إلى التيارات البوذية الفاشية في الهند التي تغازل لوبان في حربها على المسلمين.

وفي المقابل يشجّع فوز جان لوك ميلانشون نهضة التيارات الجمهورية الجذرية في أوروبا، ويفتح هواء جديداً أمام بلدان العالم الثالث، ولا سيما في المنطقة العربية - الإسلامية. لكن أيّاً يكن الفائز في فرنسا، فإن فرنسا مقبلة على تغيير سياسة هولاند - فابيوس تجاه الأزمة السورية وأحداث المنطقة.

فلوبان في حربها على المسلمين، تعتقد أنها تلتقي مع موسكو ومع الدولة السورية في حرب أبعد من سوريا والمنطقة. وفرنسوا فيّون المتخوّف من الحرب وعدم الاستقرار الأمني، يلتقي بدوره مع سوريا وموسكو في حماية مسيحيي الشرق، والقضاء على الإرهاب التكفيري.

أبعد من ذلك يذهب ميلانشون مع موسكو وسوريا، إلى رفض التدخل الغربي في سوريا واليمن والعراق وفي تأييد الشعب الفلسطيني.

وفي حال نجح ماكرون الأكثر تعبيراً عن سياسة الاتحاد الأوروبي، فهو سيحاول تقليد باراك أوباما في الاعتماد على حروب بالوكالة أملاً بحظوة في الكعكة السورية وثروات المنطقة.

لكن ما يعترضه عن هذا الطموح هو ما أفرزته الانتخابات الرئاسية من انقسامات واسعة في فرنسا، لا تلبث أن تعبّر عن نفسها في الانتخابات التشريعية التي تليها.

ولعل أهم ما يعترضه أيضاً في مثل هذه الظروف والمتغيرات، هو سقوط فريق هولاند - فابيوس مؤشراً إلى معضلة العبور في طريق مسدود.

إعلان