قبس نيوز
تنوي الإدارة الأمريكية تمديد فترة السماح للعراق بشراء الغاز والكهرباء من إيران بدون التعرض لعقوبات، وذلك في محاولة لتهدئة الأجواء بين بغداد وواشنطن التي اعتراها التوتر في الشهر الماضي.
يعتمد العراق بدرجة ملحوظة على الغاز الطبيعي الإيراني لإنتاج الطاقة الكهربائية كما يستورد كميات كبيرة من الكهرباء من إيران، وتشير بيانات الحكومة العراقية التي حصل عليها مركز (ميس) إلى أن العراق استورد 1.57 غيغاواط من الكهرباء من إيران إلى جانب 700 مليون قدم مكعب من الغاز لإنتاج ثلاثة غيغاواط من الكهرباء، ما يعني أن إيران تزود العراق بـ28% من حاجته إلى الكهرباء صيفاً وساهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في توفير 20% من حاجة العراق إلى الكهرباء.
تدرك الحكومة العراقية أن الكهرباء ليس خدمة عادية، فقد خرج في صيف 2018 الآلاف من مواطني مدن جنوب العراق للتظاهر احتجاجاً على تقليل ساعات تزويدهم بالكهرباء، عندما قلصت إيران تصدير الكهرباء للعراق بسبب "ارتفاع الطلب المحلي".
وأعلن مسؤول أمريكي مختص بالشؤون الإيرانية لجريدة (وول ستريت جورنال) الأمريكية: "نريد مواصلة سياسة منتهى الضغط على إيران، لكن لا ينبغي أن يكون الثمن عدم الاستقرار الاقتصادي للدول المجاورة لإيران".
ويقول تقرير وول ستريت جورنال إن بعض المسؤولين الأمريكيين لم يكونوا يؤيدون تمديد فترة السماح للعراق، لكن تكليف محمد توفيق علاوي برئاسة الوزراء مال بالمعادلة إلى جانب البيت الأبيض الذي كان يؤيد التمديد لأن الإدارة الأمريكية تريد منح رئيس الوزراء المكلف فرصة.
في أيار 2018، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 وفرض على مراحل مجموعة عقوبات على المؤسسات الاقتصادية والصناعية الإيرانية، ومنها قطاع النفط والغاز والمصارف.
في البداية قررت أمريكا استثناء ثماني دول كانت تعتمد بدرجة ملحوظة على استيراد مصادر الطاقة من إيران، والعراق من هذه الدول، ولا يزال يستورد الغاز والكهرباء من إيران. خلال فترة السنتين الأخيرتين مددت أمريكا قرار استثناء العراق عدة مرات، كانت الأخيرة في تشرين الأول الماضي عندما مددت الإدارة الأمريكية فترة استثناء العراق 120 يوماً والتي ستنتهي خلال الأسبوع الحالي.
توترت العلاقات بين الحكومة العراقية وأمريكا، بعد قتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس، وبصورة خاصة بعد إصدار الكتل الشيعية في مجلس النواب العراقي قراراً يطالب الحكومة العراقية بطرد القوات الأمريكية من العراق. القرار الذي أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال، عادل عبدالمهدي، أنه سيحيل تنفيذه إلى رئيس الوزراء القادم.
سيقدم علاوي حكومته لمجلس النواب، الذي يشكل الشيعة الغالبية فيه، مطلع الشهر القادم، وسيكون تحديد حجم وصورة وجود القوات الأمريكية في العراق من التحديات التي يواجهها علاوي، وقال مسؤول عراقي كبير للجريدة الأمريكية: "تريد أمريكا أن تمنحه فرصة".
كانت القواعد العسكرية والدبلوماسية الأمريكية في العراق هدفاً لهجمات مختلفة في الأسابيع الأخيرة، ومنها هجوم الفصائل الشيعية على مقر السفارة الأمريكية ببغداد، وإطلاق هاونات على محيط السفارة، وحسب مسؤولين عراقيين، فإن الأمريكيين حذروا من أنه في حال تعرض أي جهة أمريكية للأذى في العراق خلال الأيام القليلة التي تسبق انقضاء فترة الاستثناء فإنهم سيلغون استثناء العراق من العقوبات.
تتهم الإدارة الأمريكية الفصائل الشيعية العراقية المسلحة المقربة إلى إيران بالتورط في الهجمات التي شنت في الأسابيع الأخيرة، وأن الحكومة العراقية لا تتخذ الخطوات اللازمة لمنع تلك الهجمات. لكن الإيرانيين والعراقيين قلقون من أنه حتى في حال تمديد مهلة الاستثناء، ستظل العقبات المالية في محلها. فقد أشار وزير النفط الإيراني، بيجن زنكنة، الشهر الماضي في تصريح لوكالة إيلنا الإيرانية إلى أن "العراقيين لا يدفعون أي أموال لقاء الغاز الذي يستوردونه من عندنا، ويعزون ذلك إلى العقوبات الأمريكية والعقبات التي تعترض سبيل النظام المصرفي الإيراني، لأن العقوبات الأمريكية جعلت نقل الأموال من خلال القنوات المالية الاعتيادية مستحيلاً".
ونقل مركز ميس عن المتحدث باسم مجلس مصدري النفط والغاز والبتروكيمياويات الإيراني أن خمسة مليارات دولار لهم تراكمت في حساب بمصرف عراقي ولا يستطيعون الحصول عليه، لأن العقوبات أخرجت إيران من نظام سويفت لنقل الأموال.
وأبلغت أمريكا الحكومة العراقية في 2018 أنها تشترط لتمديد استثناء العراق إعداد وطرح خطة محكمة لتطوير قطاعي الغاز والكهرباء، لكي يتخلص العراق تدريجياً من الحاجة إلى الغاز والكهرباء الإيرانيين. كانت الحكومة العراقية قد تعهدت سابقاً بأن لا يعود العراق بحاجة إلى الغاز الأجنبي ويعتمد على ناتجه المحلي بحلول 2022. ويرى مركز ميس أن إكمال مشاريع الغاز في العراق بحاجة إلى سنوات عديدة.
تنفيذ تلك المشاريع بحاجة إلى استثمارات أجنبية ضخمة، وتسعى شركات أمريكية من قبيل إكسون موبيل وشيفرون وهيوز إلى توقيع عقود مع بغداد لكن الخلاف على نوع تلك العقود والتظاهرات المستمرة منذ أربعة أشهر واستقالة عبدالمهدي والأحداث التي تلت قتل سليماني والمهندس شكلت عقبات كبيرة في طريق تقدم تلك المساعي.
في السنة الماضية، حصلت شركة هوني ويل الأمريكية مع بيتشيل وأتكا التركية على عقد لإنتاج الغاز، لكن معلومات مركز ميس تقول إن الشركة الأمريكية مترددة بشأن العمل في ظل ظروف العراق غير المستقرة.
وأعلن أحد مستشاري عبدالمهدي لوول ستريت جورنال أن الحكومة العراقية تنوي العثور على بديل للغاز والكهرباء الإيرانيين لكن هناك مسؤولين يعترضون على ذلك "يعملون بالضد من الحكومة وضد علاقات حكومة بغداد مع أمريكا"، ويتوقع أن تتطور الخلافات الداخلية الحكومية بشأن حفظ التوازن بين العلاقات مع إيران والعلاقات مع أمريكا.
كانت الإدارة الأمريكية قد أكدت لبغداد في وقت سابق أن تمديد استثنائها من العقوبات ليس مرتبطاً بالاتفاق أو عدم الاتفاق بين الحكومة العراقية والشركات الأمريكية، لكن جهود أمريكا لتعزيز نشاط شركاتها في العراق تستمر.
ويشير مسؤولون عراقيون وأمريكيون ومسؤول دولي في مجال النفط إلى أن إدارة ترمب حثت الحكومة العراقية على توقيع عقد بخمسين مليار دولار مع إكسون موبيل، وهذا العقد المتلكئ هو على حقل القرنة الغربي في محافظة البصرة ويشمل إنتاج الغاز أيضاً.